فصل: الآية الأولى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأفرد الفرد بالذكر، إذ كان بينه وبين الصلوات المفروضة وقت ليس من أوقات الصلوات المفروضة، وقال تعالى في بيان المواقيت أيضا على نحو ما سلف: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ}.
وروي عن عمر وعن الحسن في قوله طرفي النهار.
الصبح والظهر والعصر.
وزلفا من الليل: المغرب والعشاء.
فعلى هذا القول قد انتظمت الآية الصلوات الخمس.
وروى يونس عن الحسن: {أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} قال: المغرب والعشاء.
فعلى هذا القول قد انتظمت الآية الصلوات الخمس.
وعن الحسن في رواية: {أقم الصلاة طرفي النهار}، قال: هو الفجر والعصر.
وعن ابن عباس: جمعت هذه الآية مواقيت الصلاة.
{فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ}: المغرب والعشاء، {وَحِينَ تُصْبِحُونَ}: الفجر، {وَعَشِيًّا}: العصر، {وَحِينَ تُظْهِرُونَ}، الظهر.
وعن الحسن مثله.
وعن ابن عباس: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها وَمِنْ آناءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرافَ النَّهارِ لَعَلَّكَ تَرْضى}.
قوله تعالى: {وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ}: تحريض على الجهاد، ونهي عن الونا والضعف.
وذكر العلة فيه فقال: {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ} أي إن الألم الذي ينالكم محتمل في مقابلة عظيم الثواب عند اللّه تعالى، ذلك ليعلم أن المشاق في التكاليف محتملة، لما يرجى فيها من ثواب اللّه تعالى.
قوله تعالى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيمًا}.
سبب نزولها مذكور في التفاسير، وفيه دليل على أنه لا يجوز لأحد أن يخاصم عن أحد، إلا بعد أن يعلم أنه محق.
قوله تعالى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ}، يحتمل الوحي والاجتهاد جميعا، وفيه دليل على أن وجود السرقة في يد إنسان لا يجب الحكم عليه بها، لأن اللّه تعالى نفى الحكم عن اليهودي بوجود السرقة عنده، إذ كان جائزا أن يكون هو الآخذ، وذلك مذكور في التفاسير.
وليس ذلك مثل ما فعله يوسف عليه السلام، حين جعل الصاع في رحل أخيه، ثم أخذ الصاع، واحتبسه عنده، فإنه إنما حكم عليهم بما كان عندهم أنه جائز، وكانوا يسترقون السارق، فاحتبسه عنده، وكان له أن يتوصل إلى ذلك ولا يسترقه، ولا قال إنه سارق، وإنما قال ذلك رجل عنده ظنه سارقا.
وقد نهي اللّه تعالى عن الحكم بالظن والهوى، بقوله تعالى: {اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}.
وقال عليه السلام: «إياكم والظن فإنه أكذب الحديث».
قوله تعالى: {وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى}. زيادة تغليظ في الزجر عنه، وتقبيح حاله، وتبيين للوعيد فيه، إذا كان معاندا بعد ظهور الآيات الدالة على صدق الرسول عليه السلام.
وقرن اتباع غير سبيل المؤمنين بمعاينة رسول اللّه فيما ذكر من الوعيد، فدل على صحة إجماع الأمة على ما قررناه في تصانيفنا في الأصول، وبينا ما يرد عليه من الاعتراض ومنع الاحتجاج.
قوله تعالى: {فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ}.
فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: عن ابن عباس رواية: {فليغيرن خلق اللّه}، أي يغيرن دين اللّه بتحريم الحلال، وتحليل الحرام، ومثله قوله تعالى: {لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ}.
وروي عن ابن عباس وأنس أنه الخصاء.
وروي عن الحسن أنه الوشم.
وروي عن الحسن أنه كان لا يرى بأسا بإخصاء الدابة.
وعن طاوس وعروة مثله.
وقوله: {وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفًا}.
ظاهر في وجوب اتباع ملة إبراهيم، إذا لم يظهر لنا ناسخ من شرعنا، وفيه دليل على أنه ليس للعباد تحريم ما أحله اللّه تعالى باليمين.
وقوله تعالى: {وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ} الآية، وقد ذكرنا معناها.
قوله تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزًا أَوْ إِعْراضًا فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما}، فأباح اللّه تعالى الصلح، فروي عن علي وابن عباس، أنهما أجازا لهما أن يصلحا على ترك بعض مهرها أو بعض أيامها، أن يجعلها لغيرها.
وقال عمر: ما اصطلحا عليه من شيء فهو جائز.
وروى سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: حسبت سودة أن يطلقها رسول اللّه فقالت: يا رسول اللّه، لا تطلقني وأمسكني واجعل النوبة لعائشة ففعل، فنزلت هذه الآية.
ونزلت أيضا في المرأة تكون عند الرجل، فيزيد طلاقها ويتزوج غيرها، فتقول أمسكني ولا تطلقني، ثم تزوج وأنت في حل من النفقة والقسم، فذلك قوله: {فَلا جُناحَ عَلَيْهِما}- إلى قوله- {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}.
فهذه الآية دالة على وجوب القسم بين النساء، إذا كان تحته جماعة وعلى وجوب القسم لها بالكون عندها، إذا لم يكن عنده إلا واحدة. اهـ.

.قال القنوجي:

سورة النساء مائة وست وسبعون آية.
وهي كلها مدنية. قال القرطبي: إلا آية واحدة نزلت بمكة عام الفتح في عثمان بن طلحة الحجبي وهي قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها}.

.الآية الأولى:

{وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا (3)}.
وجه ارتباط الجزاء بالشرط أن الرجل كان يكفل اليتيمة لكونه وليا لها ويريد أن يتزوجها فلا يقسط لها في مهرها: أي لا يعدل فيه ولا يعطيها ما يعطيها غيره من الأزواج، فنهاهم اللّه أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا بهن أعلى ما هو لهنّ من الصداق وأمروا أن ينكحوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ سواهنّ. فهذا سبب نزول الآية. فهو نهي يخص هذه الصورة.
وقال جماعة من السلف: إن هذه الآية ناسخة لما كان في الجاهلية وفي أوّل الإسلام من أن للرجل أن يتزوج من الحرائر ما شاء، فقصرهم بهذه الآية على أربع، فيكون وجه ارتباط الجزاء بالشرط أنهم إذا خافوا أن لا يقسطوا في اليتامى فكذك يخافون ألا يقسطوا في النساء لأنهم كانوا يتحرجون في اليتامى ولا يتحرجون في النساء. والخوف من الأضداد فإن المخوف منه قد يكون معلوما، وقد يكون مظنونا ولهذا اختلف الأئمة في معناه في الآية: فقال أبو عبيد: خفتم بمعنى أيقنتم.
وقال آخرون: خفتم بمعنى ظننتم.
قال ابن عطية: والمعنى: من غلب على ظنه التقصير في العدل لليتيمة فليتركها وينكح غيرها وما في قوله ما طابَ موصولة. فالمعنى: فانكحوا النوع الطيب من النساء: أي الحلال وما حرمه اللّه فليس بطيب.
وقيل: ما هنا ظرفية أي ما دمتم مستحسنين للنكاح وضعفه ابن عطية، وقال الفراء: مصدرية، قال النحاس: وهذا بعيد جدا.
وقد اتفق أهل العلم على أن هذا الشرط المذكور في الآية لا مفهوم له وأنه يجوز لمن لم يخف أن يقسط في اليتامى أن ينكح أكثر من واحدة، و{مِنَ} في قوله: {مِنَ النِّساءِ} إما بيانية أو تبعيضية، لأن المراد غير اليتامى.
{مَثْنى} أي اثنتين اثنتين.
{وَثُلاثَ} أي ثلاثا ثلاثا.
{وَرُباعَ} أي أربعا أربعا.
وقد استدل بالآية على تحريم ما زاد على الأربع وبينوا ذلك بأنه خطاب لجميع الأمة وأن كل ناكح له أن يختار ما أراد من هذا العدد، كما يقال لجماعة: اقتسموا هذا المال وهو ألف درهم، أو هذا المال الذي في البدرة درهمين درهمين، وثلاثة ثلاثة، وأربعة أربعة، وهذا مسلم إذا كان المقسوم قد ذكرت جملته أو عين مكانه.
أما لو كان مطلقا كما يقال: أقسموا الدراهم ويراد به ما كسبوه فليس المعنى هكذا. والآية من الباب الآخر لا من الباب الأول. على أن من قال لقوم يقتسمون مالا معينا كثيرا اقتسموه مثنى مثنى وثلاث ورباع فقسموا بعضه بينهم درهمين درهمين وبعضه ثلاثة ثلاثة وبعضه أربعة أربعة كان هذا هو المعنى العربي.
ومعلوم أنه إذا قال القائل: جاءني القوم ثلاث ورباع. والخطاب للجميع بمنزلة الخطاب لكل فرد فرد كما في قوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5]، {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ} [البقرة: 43]، ونحوها.
فقوله: {فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ}: لينكح كل فرد منكم ما طاب له من النساء إثنتين اثنتين، وثلاثا ثلاثا، وأربعا أربعا هذا ما تقتضيه لغة العرب فالآية تدل على خلاف ما استدلوا به عليه. ويؤيد هذا قوله تعالى في آخر الآية: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً} فإنه وإن كان خطابا للجميع فهو بمنزلة الخطاب لكل فرد فرد، فالأولى أن يستدل على تحريم الزيادة على الأربع بالسنة لا بالقرآن.
وأما استدلال من استدل بالآية على جواز نكاح التسع باعتبار الواو الجامعة وكأنه قال: انكحوا مجموع هذا العدد المذكور فهذا جهل بالمعنى العربي! ولو قال: انكحوا اثنتين وثلاثا وأربعا لكان هذا القول له وجه. وأما مع المجيء بصيغة العدل فلا وإنما جاء سبحانه بالواو الجامعة دون أو لأن التخيير يشعر بأنه لا يجوز إلا أحد الأعداد المذكورة دون غيره وذلك ليس بمراد من النظم القرآني.
{فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً}: أي فانكحوا واحدة، كما يدل على ذلك قوله: {فَانْكِحُوا ما طابَ}. وقيل التقدير: فالزموا أو فاختاروا واحدة، والأول أولى. والمعنى فإن خفتم ألا تعدلوا بين الزوجات في القسم ونحوه فانكحوا واحدة، وفيه المنع من الزيادة على الواحدة لمن خاف ذلك.
{أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ} من السراري وإن كثر عددهنّ كما يفيده الموصول إذ ليس لهنّ من الحقوق ما للزوجات الحرائر.
والمراد نكاحهن بطرق الملك لا بطريق النكاح.
وفيه دليل على أن لا حق للمملوكات في القسم كما يدل على ذلك جعله قسيما للواحدة في الأمن من عدم العدل، وإسناد الملك إلى اليمين لكونها المباشرة لقبض الأموال وإقباضها ولسائر الأمور التي تنسب إلى الشخص في الغالب ذلِكَ أي نكاح الأربع أو الواحدة أو التسري فقط.
{أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا (3)}: أي أقرب إلى أن تجوروا: من عال الرجل يعول إذا مال وجار.
والمعنى إن خفتم عدم العدل بين الزوجات فهذه التي أمرتم بها أقرب إلى عدم الجور.
وهو قول أكثر المفسرين. وقال الشافعي: {أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا (3)} أي لا يكثر عيالكم.
قال الثعلبي: وما قال هذا غيره!! وذكر ابن العربي أنه يقال أعال الرجل إذا كثر عياله وأما عال بمعنى كثر فلا يصلح. ويجاب عنه بأنه قد سبق الشافعي إلى القول به زيد بن أسلم وجابر بن زيد وهما إمامان من أئمة المسلمين لا يفسران القرآن هما والإمام الشافعي بما لا وجه له في العربية. وقد حكاه القرطبي عن الكسائي وأبي عمرو الدوري وابن الأعرابي. وقال أبو حاتم كان الشافعي أعلم بلغة العرب منا ولعله لغة.
قال الدوري: هي لغة حمير وأنشد:
وإن الموت يأخذ كل حيّ ** بلا شك وإن أمشى وعالا

أي وإن كثرت ماشيته وعياله.